الثلاثاء، 2 ديسمبر 2008

مـــفاجــــأة



كانا يجلسان على الطاولة اليسرى من المطعم صامتين ...تعتلي وجه كل واحد منهما ملامح مختلفة
فهو مبتسم بطريقة مربكه ....و هي فــوضوية الفكر .. و الخطاب لا أشياء تحدهما .
لملمت ما تبقى من حوار عن الطاولة و ما لاحظته من أغراضها المعروضة للعيان كما كانت أفكارها ...
غادرت...
بقي هو بذات الابتسامة المربكة ،يرقبها و هي ترحل
و يغلق الباب الزجاجي خلفها ،أصوات الناس من حوله كانت غائبة
برغم الضجة المحدثة منهم ، وضع قطعة نقدية على الطاولة ، و خرج
و كان متعمداً أن يسلك الطريق المغاير لطريقها
حتى لا يلتقيان ثانية ً
وكأنه متأكد بأن الأحداث الكثيرة التي كانت تحدث هي ضده بكل تأكيد مؤامره شريرة ... من هذه الفتاة
أما هي بملامحها المشوشة كأفكارها ،
كانت تمسك بحقيبتها و تحتضنها و كأن بها كنز ثمين ،و تسير على الرصيف
و تعتلي رأسها مئات الأفكار ، و كلها لا سبيل لها
ذات طرقات متقاطعة و خطوط متشابكة و حدود محفوفة بالألم
تود البكاء
ولكنها تحاول الحفاظ على ما تبقى مما يسمى / كرامتها /


أخيراً ... باب البيت
فتحته مسرعة ، ألقت أغراضها كيفما اتفق
حقيبتها ... حذائها شالها الطويل سترتها المطرزة و فرداتي جوربيها
كانت تسير و تلقي بها على الأرض ، وصلت المطبخ
عبأت الغلاية بالماء و شبكتها بالمقبض الكهربائي
جلست للطاولة الخشبية
و بدئت تداعب الزهور التي وضعتها أمها بالمزهرية قبل ذهابها
كانت تدندن أغنية لا تتفق مع أفكارها الآن و لكنها كانت تدندن شيء ً على أية حال

" بديت ما بين الولدنه و الجد من قبل ما نار القلب تشتد و لئيت حالي بين يوم و يوم عنجد عم حبك أنا عنجد "

" بحس لما طل شي ليل عم ينزاح شي بدر عم بهل شي جرح عم يرتاح ..شي متل جزر و مد منين بجيبو حلا هالقد ؟؟هالقد ؟ "

أيقظها صوت الغلاية و هي تصفر من غفوتها الغنائية
أحضرها كأسها الأبيض و علبة النسكافية و المبيض و السكر

و حضرت كأس خاصة بها سريعة
واتجهت صوب غرفتها
أغلقت النوافذ و الستائر
و رغم أنهم مازالوا في وضح النهار
أشعلت شمعداناتها ، جلست و ظهرها مواجه للحائط
اتكأت إليه و أسندت رأسها و نظرها يتجه للبعيد
من ينظر لها يظن بأنها تنظر لبعد كوني آخر
وكأنها تخترقه ، لتصل السماء ، و ترى الملائكة
و بين لحظة و أخرى تحس بأن يداً تسحبها للأرض ثانية
فترتشف القليل من كأسها
و تكمل في أفكارها
و هو ما زال يسير في الشوارع ، بذات الابتسامة المربكة
مباغت ٌ هذا الرجل ، يربكك و يضعك في أبعد زاوية لغرفة الاعتراف خاصته
و يجبرك على البوح ، و كأنك مع رجل من مخابرات
بنظرته الثابتة ، و ابتسامته المربكة ...
قرر فجأة ً أن يتجه هو الآخر لبيتها

أشار لأحد السيارات الأجرة ، معطياً له العنوان
طلب منه إغلاق المذياع
بدأ المطر بالهطول ، و هو يراقب المارة
و الكل يسير في كل الاتجاهات بسرعة أكبر ، هرباً من المطر
و يقول بعقله " مجانين ... ألا يعرفون بأن المطر ينقينا من خطايانا " و يبتسم ذات الابتسامة المربكة
تمنى لو يوقف السائق و يكمل لبيتها سيراً على الأقدام و لكنه كان يريد الوصول بشكل لائق
ليعترف لها بالحقيقة ...

هي ... ما زالت تعيد تسجيل كلامه المحفور في عقلها و تريد البكاء
و تردد " إنــه مجنون .. بحق الرب مجنون "
و يتبادر لذهنها مقاطع من كلامه " سأذهب لها غداً لأقدم طلب الزواج منها ..إنها أول من أحببت ...أرجوكِ .. رنا .. ساعديني على الاقتراب منها "
و هي بذات الذهول
يا له من مجنون
كيف يطلب مني طلب كهذا
حاولت الهروب من أفكارها
و أخرجت مجموعة كبيرة من ألألوانِ المائية
و نزعت عن الجدران الصور الموجودة عليها ... و بدأت بالرسم
رسمت زنبقة .... و حددت حدودها باللون الأزرق
و تركتها لبياض الحائط
رسمت الكثير من الوجوه
و عند انتهائها ، جلست على الأرض
و بدأت تحدق بهم ، أصابتها نوبة هستيريه من لألم ،
انفجرت حواسها باكية
إنه مجنون
وأنا تلك البلهاء التي تعتمر الحزن سبيلاً إليه
يريدني أن أخطب له
يا له من مجنون
هو ...وصلت به السيارة لباب بيتها و ما يزال متجمداً بمكانه ينظر للباب ... يريد النزول و إخبارها الحقيقة !!

و لكنه توجه للسائق بالكلام .. و قال له: أكمل لا أريد النزول هنا
اتجه لبيته دون النزول عند بابها

" غريبو الأطوار هؤلاء الرجال "
هي ..ما زالت في ذات الغرفة تغرق نفسها بدموع
و من كثرة ما بكت ، نامت في مكانها

هو ...وصل لبيته
أنقد السائق المال أعطاه أكثر مما يستحق
أغلق باب السيارة
و جلس على درجات بيته
بدء يحدق في السماء و هي تمطر
كان المطر يبلله ..
يبلله حد التعب ، و هو بذاته يقول هل من مزيد
كان يجلس على تلك الدرجات خالعاً ابتسامته يرتدي ملامحه بلا ملامح
مغمض العينين ، يفكر بماذا تفعل هي الآن ، أما زالت تبكي ؟؟
كل ما فعلته بأني أخبرتها باني أود الزواج ....و أني سأتقدم لخطبتها غداً
فأنا أحبها منذ زمن طويل .. أردت أن تساعدني لأتقرب منها ... كنت أود بصدق لو تساعدني
فهي أفضل من يمكنه ذلك
أخرج مفتاحه و دخل لبيته ، و تصرف بذات طريقتها الغريبة في التعبير عن الاعتراض ، و بدء بخلع حذائه كل فردة في مكان و معطفه المبلل ، و قبعته الأسكوتلندية ، و قبل دخوله ... خلع صوته أيضاً ، و ملامحه ، و ما تبقى من ذاكرته ، و ضعهم قرب الباب ، حتى لا يبتعدوا كثيراً ... خلع ملابسه المبللة و حضرَ كأس من النسكافيه الخالية من السكر و قرر أن ينام و هو يفكر لو أنها تركتني أكمل فقط .... و لم تحدجني بتلك النظرة التي تحمل من الكره الكثير
شرب ما تبقى من الكأس سريعاً ، و ضع الكأس جانباً، و غط في نوم عميق
.
.
.
في الصباح ، ارتدى أجمل ابتساماته ، وبدلته الطويلة الرسمية ، و سرح شعره بطريقة مغاير للعادة حتى بدا كتلميذ في يومه المدرسي الأول ، رتب ملامحه جيداً ، و خرج
أحس بأن الدنيا ترقص معه ، فقد قرر أن ينفذ مخططة و يطلب فتاته للخطبة... ً اشترى باقة زهور كبيرة بجميع الزهور التي كانت لدى بائعة الزهور.. تعبق بها رائحة الصباح و صوت المرأة الدافئ التي قامت بتغليفها له و هي تقول " يبدو بأنها لحبيبتك "
وكانت حدقتاه تتسع و هو يخبرها بالإيجاب .
حمل الباقة .. وقف بالباب .. و بدء بالطرق

بدء الباب بالانشقاق .. لتـخرج هي بملامحها الباكية و شعرها المتزاحم على وجهها و عيونها التي تكاد لا تظهر من كثرة البكاء
عند رؤيته اتسعت عيناها ... خرجت كلماتها متعثرة ... " أنـــت !!!! ؟ "
وهو يقدم لها الباقة .. و جدت نفسها تحضنها
و قال لها : " لقد أتيت كما أخبرتك البارحة للفتاة التي أحب لأطلب منها الزواج مني "

تراكمت كل علامات الاستفهام في عينيها ... قائلة : " أنـــــــــــــا ؟؟!!!"

أجابها : أجل .. أجل أنتِ

و هل تظنين بأني أحبُ سواك ِ

أغرقت وجهها بين يديه .. باكية

لتنتهي المفاجأة




ملاحظة ما : / كتبتها في حضرته / :)

ملاحظة أخرى : هذا رابط للأغنية التي كانت تدندنها

بين الولدنه و الجد - جوليا





هناك 7 تعليقات:

غير معرف يقول...

بشراسة أعتصر اللغة بحثاً عن مفردات جديدة ترتمي بين أحضان الصفحات البيضاء لتشكر فيض الحب الذي يرشح من قلمك العاري

فسحة أمل

SyrianGavroche يقول...

من أجمل ما قرأت مؤخراً... رائعة جداً


تحياتي :)

amey يقول...

فـسحة أمل

ربما من عري القلم يأتي الحـب

أو من أرواح معذبة هائمة في مكان آخر
تتلبسنا فنخرج/ حـب /

إنه مدلول لا نعرف كنهه


لقلبك كل الحـب

فـسحة أمل :)

amey يقول...

ياس ...

مجرد أن أرى تعليقاً لك هنا
أسَر

أنتَ الرائع

شكراً لك :)

آية الرفاعي يقول...

زخم العاطفة الــ قابع هنــا
مغر, لدرجة الجنــون..

إيمي, لحرفك الــ توّج الحب, على عرش الــ واقع, امتنان..
باذخ حرفك, يا فتاة المطر,,

amey يقول...

آية

ربما الجنون هو من آغرى العاطفة لتكتب
فإنسابت بشكل ما ...

لتـكون / مفاجأة/

آية .. أخبرتك قبلاً كم أحبك

ولكني أذكرك فقط

فأنا/ أحبك جداً /


كوني دوماً .. هنا

غير معرف يقول...

قرأت أغلب ما كتبت

من الرسائل الأحدث حتى هنا

قبل أن أصل لـ هنا راودني تساؤل

على ماذا أترك تعليقاً؟
و ماذا لا أترك؟

فقررت أن لا أعلق بعد حيرة قصيرة

وصلت إلى هنا

لابد أن أترك تعليقاً

" :) "

كما أني أرى بعضي في شيء ما

سأكمل القراءة حتى يسيطر النوم

لتعيشي كما تتمنين